تقنية

دقة عرض 8K والذكاء الاصطناعي: مستقبل الترفيه المنزلي أصبح على الأبواب

كتب نيكولا أكسينتيجيفيتش، رئيس قسم العرض المرئي في سامسونج جلف للإلكترونيات

تضمنت مسيرة تطور التلفزيون إنجازات بارزة، بدءاً من الانتقال من الأبيض والأسود إلى الألوان، والتحول من الدقة القياسية إلى الدقة العالية، ومؤخراً الانتقال من الدقة العالية إلى دقة 4K. وعزز كل من هذه التطورات جودة تجربة المشاهدة بشكل كبير. وتعتبر أحدث التطورات في تقنيات الترفيه المنزلي وخاصةً التلفزيونات بدقة 8K المدعمة بإمكانات الذكاء الاصطناعي، قفزة نوعية ستُعيد تعريف علاقتنا بالوسائط المرئية.

ولكي ندرك أهمية دقة 8K، من الضروري أولاً أن نفهم مواصفاتها التقنية، إذ تتميز شاشة 8K بدقة 7680 × 4320 بكسل، وينتج عنها 33 مليون بكسل. ويمثل ذلك أربعة أضعاف دقة 4K (3840 × 2160) وستة عشر ضعف دقة Full HD (1920 × 1080).

وتعتبر تأثيرات هذه الدقة العالية كبيرة للغاية، حيث يتم فيها تحييد قدرة العين البشرية على تمييز وحدات البكسل الفردية على مسافات المشاهدة القياسية بشكل فعال، مما يوفر صورة ذات وضوح وتفاصيل غير مسبوقة. ويعزز هذا المستوى من الدقة البصرية درجة انغماس المشاهد في بيئات منزلية لم يكن من الممكن توفيرها من قبل، مما يؤدي إلى سد الفجوة بين الترفيه المنزلي وتجارب السينما الراقية.

الدور المهم للارتقاء بإمكانات الذكاء الاصطناعي

لا يمكننا إنكار قدرات دقة 8K، إلا أنها تمثل من جهة أخرى تحدياً كبيراً كالنُدرة الحالية لمحتوى 8K الأصلي. وهنا يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً، فعلى سبيل المثال، يعالج معالج Neural Quantum من سامسونج، وهو نظام متطور مدعّم بالذكاء الاصطناعي، فجوة المحتوى هذه من خلال تقنيات الترقية المتقدمة. ويقدم تلفزيون Neo QLED 8K مقاس 98 بوصة من سامسونج، الذي يعمل بمعالج Neural Quantum، أحدث التطورات في تقنيات العرض، ليزود المشاهدين بجودة صورة محسنة وتجارب مشاهدة غامرة.

يستخدم المعالج الكمومي العصبي خوارزميات تعلم الآلة لتحليل المحتوى الأقل دقة في الوقت الفعلي. ويحدد الأنماط والتراكيب والحواف داخل الصورة، ثم يقدم وحدات بكسل إضافية بذكاء للوصول إلى جودة 8K. وتتجاوز هذه العملية أكثر من مجرد مضاعفة وحدات البكسل، فهي تستفيد من قاعدة بيانات ضخمة من معلومات الصور لاتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية تحسين الصورة.

على سبيل المثال، عند رفع مستوى صورة 4K لمشهد تم تصويرة في غابة، يعمل الذكاء الاصطناعي على زيادة عدد البكسلات ويتعرف أيضاً على العناصر المتعددة في الصورة مثل الأوراق وملمس لحاء الشجر وتدرّجات الألوان الدقيقة، ثم يستخدم هذه المعلومات لإضافة تفاصيل واقعية لم تكن موجودة في اللقطات الأصلية. والنتيجة هي صورة محسّنة بشكل كبير، ورغم أنها ليست بدقة 8K الأصلية، إلا أنها توفر تجربة مشاهدة متفوقة بكثير مقارنةً بالمحتوى الأصلي ذي الدقة المنخفضة.

تجربة بصرية وسمعية محسنة

تتضمن التلفزيونات الحديثة ذات دقة 8K العديد من التقنيات الإضافية التي تعمل على تحسين تجربة المشاهدة. على سبيل المثال، تعمل تقنية HDR (النطاق الديناميكي العالي) على توسيع نطاق سطوع الشاشة ومجموعة الألوان بشكل كبير. وتتيح هذه التقنية الحصول على إضاءة ساطعة بشكل لا يصدق وظلال عميقة ودقيقة داخل نفس الإطار، وينتج عن ذلك صورة ذات تباين وحيوية ملحوظَين.

تتجاوز قدرات الذكاء الاصطناعي في تلفزيون Samsung Neo QLED 8K مجرد الارتقاء بالجودة، حيث يقوم نظام التلفزيون بتحليل المحتوى وظروف الإضاءة المحيطة ببيئة المشاهدة بشكل مستمر، ثم يقوم بضبط مقاييس الصورة المختلفة بشكل ديناميكي مثل التباين والحدّة وتوازن الألوان لتحسين جودة الصورة في الوقت الفعلي. وتضمن هذه العملية التكيفية أن يستمتع المشاهد دائماً بأفضل صورة ممكنة بغض النظر عن نوع المحتوى أو ظروف المشاهدة.

ومن حيث الصوت، يمثل دمج تقنيات مثل Dolby Atmos وObject Tracking Sound تقدماً كبيراً في مجال تقنيات التلفزيونات، حيث توفر تقنية Dolby Atmos مسرحاً صوتياً ثلاثي الأبعاد بدقة صوت واضحة داخل مساحة المشاهدة. وتذهب تقنية Object Tracking Sound إلى أبعد من ذلك من خلال ضبط إخراجات الصوت لمطابقة الحركة على الشاشة، مما يوفر تجربة صوتية أكثر غنى وواقعية.

تأثيرات التقنيات المتطورة على الترفيه المنزلي وغيره من المجالات

يأتي طرح تلفزيونات 8K وتجارب المشاهدة المعززة بالذكاء الاصطناعي بآثار بعيدة المدى تتجاوز مجرد المواصفات التقنية. ومع انتشار هذه التقنيات على نطاق أوسع، من المرجح أن يكون لها تأثير على تجربة إنشاء المحتوى وطرق النشر وحتى تصميم المنازل.

سيحتاج منشئو المحتوى ومنهم استوديوهات الأفلام وخدمات بث المحتوى إلى تكييف خطوط إنتاجهم للاستفادة الكاملة من دقة 8K. وقد يتضمن ذلك، الاستثمار في معدات تصوير جديدة وتحديث سير العمل في مرحلة ما بعد الإنتاج وربما إعادة تقييم تقنيات سرد القصص للاستفادة من التفاصيل المعززة والانغماس الذي توفره شاشات 8K.

أما من منظور النشر، ستتطلب أحجام الملفات الضخمة المرتبطة بمحتوى 8K تطوير تقنيات ضغط البيانات وتحسين البنية التحتية للإنترنت عريض النطاق. وهذا من شأنه أن يسرع من تطوير ونشر تقنيات الإنترنت الحديثة.

ومن حيث تصميم المنازل، قد يؤثر اختيار الشاشات الأكبر حجماً والأكثر غنى على القرارات الهندسية. وقد نشهد زيادة في مساحات المسرح المنزلي المخصصة أو مناطق المعيشة المصممة خصيصاً لاستيعاب الشاشات الكبيرة بحجم الحائط. وأصبح هذا الاتجاه منتشر بالفعل في بعض المناطق مثل الخليج، حيث أصبحت أحجام المنازل الأكبر حجماً شائعةً بشكل متزايد.

المستقبل الغامر والمشوق بانتظارنا

سيشهد عالم الترفيه المنزلي تحولاً كبيراً في وقتٍ قريب استجابةً للتطور السريع لتقنيات العرض والذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تعيد هذه التطورات تعريف كيفية استهلاكنا للمحتوى والتواصل مع القصص والتجارب التي تشكل ماهية حياتنا.

وتبشر التطورات التي شهدتها تقنية micro-LED بعصر جديد من الدقة البصرية. وتمتلك شاشات micro-LED القدرة على تقديم نسب تباين لا مثيل لها وسطوع مذهل وكفاءة استثنائية في استخدام الطاقة مما يمنحها القدرة على تجاوز قيود التقنيات الحالية وتوفير تجربة غامرة للمشاهدين تؤدي إلى تلاشي الخط الفاصل بين الواقع والعالم الرقمي.

ومن المتوقع في الوقت ذاته أن يؤدي دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إحداث نقلة نوعية في اكتشاف المحتوى وتخصيصه. فتستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل عادات المشاهدة والتفضيلات توفير توصيات فردية تضمن للمشاهدين التنقل بسهولة عبر بحر المحتوى المتوسع باستمرار واكتشاف التجارب التي تتوافق مع أذواقهم.

وستعمل هذه التقنيات كلما ازدادت نضجاً وتطوراً على تسهيل وصول الجميع للتجارب السينمائية عالية الجودة، الأمر الذي من شأنه أن يوفر مستويات غير مسبوقة من الدقة البصرية والسمعية للمنازل في مختلف أنحاء العالم. ومن المرجح أن يؤثر هذا التطور بشكل كبير على إنشاء المحتوى ونشره واستهلاكه مما سيعيد بدوره تشكيل المشهد الإعلامي بالكامل عمّا نعرفه اليوم.

يحمل مستقبل الترفيه المنزلي إمكانات غير محدودة، حيث تستمر الحدود بين التقنيات المتطورة والتجربة الإنسانية في التلاشي. وسيكون من الرائع أن نشهد في المستقبل كيف ستعمل هذه الابتكارات على إعادة تعريف علاقتنا بالشاشة وتوفير أبعاد جديدة لسرد القصص وتعزيز الاتصال العاطفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى